دور النبي محمد – صلى الله عليه وسلم - في تحضر العرب
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
دور النبي محمد – صلى الله عليه وسلم - في تحضر العرب
للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم- الفضل الأعظم في الارتقاء ـ حضارياً ـ
بمستوى العرب، بعد عصور الظلام في أوربا، وعهود الجهل في الجزيرة العربية،
وفي هذه المقالة نحاول أن نثبت هذه الحقيقة، ليس فقط من أفواه العلماء
المسلمين، بل من أفواه المفكرين والباحثين من غير المسلمين.
النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - يصنع من قبائل العرب أُمة:
يقول الباحث الروسي آرلونوف في (مجلة الثقافة الروسية، في مقالة: النبي محمد – صلى الله عليه وسلم –):
"في شبه جزيرة العرب المجاورة لفلسطين ظهرت ديانة، أساسها الاعتراف
بوحدانية الله، وهذه الديانة تعرف بالمحمدية، أو كما يسميها أتباعها
الإسلام، وقد انتشرت هذه الديانة انتشاراً سريعاً، ومؤسس هذه الديانة هو
العربي محمد – صلى الله عليه وسلم - وقد قضى على عادات قومه الوثنية، ووحد
قبائل العرب، وأثار أفكارهم وأبصارهم بمعرفة الإله الواحد، وهذب أخلاقهم ،
ولين طباعهم وقلوبهم ، وجعلها مستعدة للرقي والتقدم، ومنعهم سفك الدماء
ووأد البنات..
وهذه الأعمال العظيمة التي قام بها محمد– صلى الله عليه وسلم - تدل على
أنه من المصلحين العظام ، وعلى أن في نفسه قوة فوق قوة البشر، فكان ذا فكر
نير، وبصيرة وقيادة، واشتهر بدماثة الأخلاق، ولين العريكة، والتواضع وحسن
المعاملة مع الناس، قضى محمد – صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة مع الناس
بسلام وطمأنينة، وكان جميع أقاربه يحبونه حباً جماً، وأهل مدينته يحترمونه
احتراماً عظيماً، لما عليه من المبادئ القويمة، والأخلاق الكريمة، وشرف
النفس، والنزاهة" [6].
إن فضل الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم - على العرب لا حد له؛ إذ أخرجهم من الجاهلية إلى نور الإسلام؛ يقول المستشرق الأيرلندي المستر هربرت وايل في كتابه (المعلم الكبير):
"بعد ستمائة سنة من ظهور المسيح ظهر محمد – صلى الله عليه وسلم - فأزال كل
الأوهام، وحرم عبادة الأصنام، وكان يلقبه الناس بالأمين، لما كان عليه من
الصدق والأمانة، وهو الذي أرشد أهل الضلال إلى الصراط المستقيم" [7].
ويضيف هنري سيروي أن محمداً – صلى الله عليه وسلم - لم يغرس في نفوس
الأعراب مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيها أيضاً المدنية والأدب [8].
ويتحدث الباحث الأمريكي جورج دي تولدز( 1815-1897)،
عن فضل الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم - على العرب حين نقلهم من
الهمجية إلى المدنية، وعن دور الرسالة في تبديل أخلاق عرب الجاهلية، حين
عمر ضياء الحق والإيمان قلوبهم، فيقول:
"إن من الظلم الفادح أن نغمض الجفن عن حق محمد – صلى الله عليه وسلم -
والعرب على ما علمناهم من التوحش قبل بعثته، ثم كيف تبدلت الحالة بعد
إعلان نبوته، وما أورته الديانة الإسلامية من النور في قلوب الملايين من
الذين اعتنقوها بكل شوق وإعجاب من الفضائل؛ لذا فإن الشك في بعثة محمد–
صلى الله عليه وسلم - إنما هو شك في القدرة الإلهية التي تشمل الكائنات
جمعاء" [9].
من أعظم الآثام أن نتنكر لدور النبي محمد – صلى الله عليه وسلم -:
يؤكد ذلك م. ج. دُرّاني [10] بقوله:
"..وأخيراً أخذت أدرس حياة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم - فأيقنت أن
من أعظم الآثام أن نتنكر لذلك الرجل الرباني الذي أقام مملكة لله بين
أقوام كانوا من قبل متحاربين لا يحكمهم قانون، يعبدون الوثن، ويقترفون كل
الأفعال المشينة، فغير طرق تفكيرهم، لا بل بدل عاداتهم وأخلاقهم، وجمعهم
تحت راية واحدة، وقانون واحد، ودين واحد، وثقافة واحدة، وحضارة واحدة،
وحكومة واحدة..
وأصبحت تلك الأمة التي لم تنجب رجلاً عظيماً واحداً يستحق الذكر منذ عدة
قرون، أصبحت تحت تأثيره وهديه تنجب ألوفاً من النفوس الكريمة التي انطلقت
إلى أقصى أرجاء المعمورة، تدعو إلى مبادئ الإسلام وأخلاقه، ونظام الحياة
الإسلامية، وتعلم الناس أمور الدين الجديد" [11].
فمن الخطأ أن ننكر ما للرسول العربي الكريم، وخلفائه من يد على الشرق، في
إثارة تلك الحماسة والبطولة النادرة المتدفقة في صدور أولئك الصحب
الميامين، الذين كانوا قابعين في حزون الجزيرة وبطاحها، في سبيل الفتح،
والمنافحة لتحرير الشرق من رق الرومان وأسر الفرس، إن سيد قريش هو المنقذ
الأكبر للعرب من فوضى الجاهلية، وواضع حجر الزاوية، في صرح نهضتهم الجبارة
المتأصلة في تربة الخلود" [13].
ويبين آرنولد توينبي
[14] أن النبي محمداً قد وقف حياته لتحقيق رسالته في كفالة مظهرين أساسيين
في البيئة الاجتماعية العربية؛ هما الوحدانية في الفكرة الدينية، والقانون
والنظام في الحكم، وتم ذلك فعلاً بفضل نظام الإسلام الشامل الذي ضم بين
ظهرانيه الوحدانية والسلطة التنفيذية معاً؛ فغدت للإسلام بفضل ذلك قوة
دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب، ونقلهم من أمة جهالة إلى
أمة متحضرة، بل تدفق الإسلام من حدود شبه الجزيرة، واستولى على العالم
السوري بأسره من سواحل الأطلسي إلى شواطئ السهب الأوراسي[15].
وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما قال: «يَا
مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلالاً فَهَدَاكُمْ اللَّهُ
بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمْ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً
فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي؟، كُلَّمَا قَالَ شَيْئاً قَالُوا: اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمَنُّ» [16].
كيف حول النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -العرب من قبائل متناحرة إلى أمة محترمة؟
بهذا الإيمان الواسع العميق، والتعليم النبوي المتقن، وبهذه التربية
الحكيمة الدقيقة وبشخصيته الفذة، وبفضل هذا الكتاب السماوي المعجز الذي لا
تنقضي عجائبه، ولا تخلق جدته، بعث النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في
الإنسانية المحتضرة حياة جديدة.
عمد إلى الذخائر البشرية وهي أكداس من المواد الخام لا يعرف أحد غناءها،
ولا يعرف محلها وقد أضاعتها الجاهلية والكفر والإخلاد إلى الأرض فأوجد
فيها بإذن الله الإيمان والعقيدة، وبعث فيها الروح الجديدة، وأثار من
دفائنها وأشعل مواهبها، ثم وضع كل واحد في محله فكأنما خلق له، وكأنما كان
المكان شاغراً لم يزل ينتظره ويتطلع إليه، وكأنما كان جماداً؛ فتحول جسماً
نامياً وإنساناً متصرفاً، وكأنما كان ميتاً لا يتحرك؛ فعاد حياً يملي على
العالم إرادته، وكأنما كان أعمى لا يبصر الطريق فأصبح قائداً بصيراً يقود
الأمم.
عمد إلى الأمة العربية الضائعة وإلى أناس من غيرها فما لبث العالم أن رأى
منهم نوابغ كانوا من عجائب الدهر وسوانح التاريخ، فأصبح عمر الذي كان يرعى
الإبل لأبيه الخطاب، وينهره وكان من أوساط قريش جلادة وصرامة، ولا يتبوأ
منها المكانة العليا، ولا يحسب له أقرانه حساباً كبيراً - إذا به يفاجئ
العالم بعبقريته وعصاميته، ويدحر كسرى وقيصر عن عروشهما، ويؤسس دولة
إسلامية، تجمع بين ممتلكاتهما، وتفوقهما في الإدارة وحسن النظام، فضلاً عن
الورع والتقوى والعدل، الذي لا يزال فيه المثل السائر [17].
للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -الفضل الأكبر في رقي العالم كله:
ويبين المستر سنكس أن لمحمد- صلى الله عليه وسلم - الفضل الأكبر ليس فقط في رقي العرب بل في رقي العالم كله حتى اليوم، فيقول سنكس:
"ظهر محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة، وكانت
وظيفته ترقية عقول البشر، بإشرابها الأصول الأولية للأخلاق الفاضلة،
وبإرجاعها إلى الاعتقاد بإله واحد، وبحياة بعد هذه الحياة"... إلى أن قال:
"إن الفكرة الدينية الإسلامية، أحدثت رقياً كبيراً جداً في العالم، وخلّصت
العقل الإنساني من قيوده الثقيلة التي كانت تأسره حول الهياكل بين يدي
الكهان، ولقد توصل محمد ـ بمحوه كل صورة في المعابد وإبطاله كل تمثيل لذات
الخالق المطلق ـ إلى تخليص الفكر الإنساني من عقيدة التجسيد الغليظة" [18].
وهكذا، ارتقى العرب ـ وغير العرب ـ ارتقاءً حضارياً ضخماً من عصور
الجاهلية والظلام إلى عصور التحضر، بفضل دعوة النبي محمد- صلى الله عليه
وسلم -.
_________________________________________________
[1] إيڤلين كوبلد: البحث عن الله، ص51، 66، 67.
[2][1] إيڤلين كوبلد: البحث عن الله، ص51، 66، 67.
[3]
مفكر وباحث ألماني، عكف على الدراسات الشرقية والعربية في جامعة هايدلبرج،
ووقف حياته لدراسة الإسلام، وصنف عدداً كبيراً من الكتب والأبحاث، منها
ترجمته للقرآن الكريم، التي أصدرها في عامي 1964 و1965، وله كتاب عن النبي
محمد، صلى الله عليه وسلم.
[4] رودي بارت: الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، ص 20.
[5] رودي بارت: تاريخ الحضارات العام، 3 / 112.
[6] آرلونوف: النبي محمد، مجلة الثقافة الروسية، ج 7، عدد 9.
[7] هربرت وايل: المعلم الأكبر، ص 17.
[8] هنري سيروي: فلسفة الفكر الإسلامي، ص 8.
[9] جورج دي تولدز: الحياة، ص 6.
[10]
سليل أسرة مسلمة منذ القدم، أصبح نصرانياً في فترة مبكرة من حياته، تحت
تأثير إحدى المدارس التبشيرية المسيحية، وقضى ردحاً من حياته في كنيسة
إنكلترا؛ حيث عمل قسيساً منذ عام 1939 وحتى عام 1963، ثم عاد إلى دين
الإسلام.
[11] رجال ونساء أسلموا، 4 / 28 – 29.
[12] ايفلين كوبرلد: الأخلاق ص 66.
[13] مجلة الفتح القاهرية، عام 1930م.
[14]
المؤرخ البريطاني، الذي انصبت معظم دراساته على تاريخ الحضارات، وكان
أبرزها مؤلفه الشهير (دراسة للتاريخ) الذي شرع يعمل فيه منذ عام 1921
وانتهى منه عام 1961، وهو يتكون من اثني عشر جزءاً عرض فيها توينبي رؤيته
الحضارية للتاريخ.
[15] سومر ڤيل و آرنولد توينبي: مختصر دراسة للتاريخ 10 / 381.
[16] صحيح البخاري،ج 13 / ص 224.
[17] انظر: أبي الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص 155 وما بعدها.
[18] آن بيزينت: حياة وتعاليم محمد، ص5.
وليد أحمد
بمستوى العرب، بعد عصور الظلام في أوربا، وعهود الجهل في الجزيرة العربية،
وفي هذه المقالة نحاول أن نثبت هذه الحقيقة، ليس فقط من أفواه العلماء
المسلمين، بل من أفواه المفكرين والباحثين من غير المسلمين.
النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - يصنع من قبائل العرب أُمة:
يقول الباحث الروسي آرلونوف في (مجلة الثقافة الروسية، في مقالة: النبي محمد – صلى الله عليه وسلم –):
"في شبه جزيرة العرب المجاورة لفلسطين ظهرت ديانة، أساسها الاعتراف
بوحدانية الله، وهذه الديانة تعرف بالمحمدية، أو كما يسميها أتباعها
الإسلام، وقد انتشرت هذه الديانة انتشاراً سريعاً، ومؤسس هذه الديانة هو
العربي محمد – صلى الله عليه وسلم - وقد قضى على عادات قومه الوثنية، ووحد
قبائل العرب، وأثار أفكارهم وأبصارهم بمعرفة الإله الواحد، وهذب أخلاقهم ،
ولين طباعهم وقلوبهم ، وجعلها مستعدة للرقي والتقدم، ومنعهم سفك الدماء
ووأد البنات..
وهذه الأعمال العظيمة التي قام بها محمد– صلى الله عليه وسلم - تدل على
أنه من المصلحين العظام ، وعلى أن في نفسه قوة فوق قوة البشر، فكان ذا فكر
نير، وبصيرة وقيادة، واشتهر بدماثة الأخلاق، ولين العريكة، والتواضع وحسن
المعاملة مع الناس، قضى محمد – صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة مع الناس
بسلام وطمأنينة، وكان جميع أقاربه يحبونه حباً جماً، وأهل مدينته يحترمونه
احتراماً عظيماً، لما عليه من المبادئ القويمة، والأخلاق الكريمة، وشرف
النفس، والنزاهة" [6].
إن فضل الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم - على العرب لا حد له؛ إذ أخرجهم من الجاهلية إلى نور الإسلام؛ يقول المستشرق الأيرلندي المستر هربرت وايل في كتابه (المعلم الكبير):
"بعد ستمائة سنة من ظهور المسيح ظهر محمد – صلى الله عليه وسلم - فأزال كل
الأوهام، وحرم عبادة الأصنام، وكان يلقبه الناس بالأمين، لما كان عليه من
الصدق والأمانة، وهو الذي أرشد أهل الضلال إلى الصراط المستقيم" [7].
ويضيف هنري سيروي أن محمداً – صلى الله عليه وسلم - لم يغرس في نفوس
الأعراب مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيها أيضاً المدنية والأدب [8].
ويتحدث الباحث الأمريكي جورج دي تولدز( 1815-1897)،
عن فضل الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم - على العرب حين نقلهم من
الهمجية إلى المدنية، وعن دور الرسالة في تبديل أخلاق عرب الجاهلية، حين
عمر ضياء الحق والإيمان قلوبهم، فيقول:
"إن من الظلم الفادح أن نغمض الجفن عن حق محمد – صلى الله عليه وسلم -
والعرب على ما علمناهم من التوحش قبل بعثته، ثم كيف تبدلت الحالة بعد
إعلان نبوته، وما أورته الديانة الإسلامية من النور في قلوب الملايين من
الذين اعتنقوها بكل شوق وإعجاب من الفضائل؛ لذا فإن الشك في بعثة محمد–
صلى الله عليه وسلم - إنما هو شك في القدرة الإلهية التي تشمل الكائنات
جمعاء" [9].
من أعظم الآثام أن نتنكر لدور النبي محمد – صلى الله عليه وسلم -:
يؤكد ذلك م. ج. دُرّاني [10] بقوله:
"..وأخيراً أخذت أدرس حياة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم - فأيقنت أن
من أعظم الآثام أن نتنكر لذلك الرجل الرباني الذي أقام مملكة لله بين
أقوام كانوا من قبل متحاربين لا يحكمهم قانون، يعبدون الوثن، ويقترفون كل
الأفعال المشينة، فغير طرق تفكيرهم، لا بل بدل عاداتهم وأخلاقهم، وجمعهم
تحت راية واحدة، وقانون واحد، ودين واحد، وثقافة واحدة، وحضارة واحدة،
وحكومة واحدة..
وأصبحت تلك الأمة التي لم تنجب رجلاً عظيماً واحداً يستحق الذكر منذ عدة
قرون، أصبحت تحت تأثيره وهديه تنجب ألوفاً من النفوس الكريمة التي انطلقت
إلى أقصى أرجاء المعمورة، تدعو إلى مبادئ الإسلام وأخلاقه، ونظام الحياة
الإسلامية، وتعلم الناس أمور الدين الجديد" [11].
فمن الخطأ أن ننكر ما للرسول العربي الكريم، وخلفائه من يد على الشرق، في
إثارة تلك الحماسة والبطولة النادرة المتدفقة في صدور أولئك الصحب
الميامين، الذين كانوا قابعين في حزون الجزيرة وبطاحها، في سبيل الفتح،
والمنافحة لتحرير الشرق من رق الرومان وأسر الفرس، إن سيد قريش هو المنقذ
الأكبر للعرب من فوضى الجاهلية، وواضع حجر الزاوية، في صرح نهضتهم الجبارة
المتأصلة في تربة الخلود" [13].
ويبين آرنولد توينبي
[14] أن النبي محمداً قد وقف حياته لتحقيق رسالته في كفالة مظهرين أساسيين
في البيئة الاجتماعية العربية؛ هما الوحدانية في الفكرة الدينية، والقانون
والنظام في الحكم، وتم ذلك فعلاً بفضل نظام الإسلام الشامل الذي ضم بين
ظهرانيه الوحدانية والسلطة التنفيذية معاً؛ فغدت للإسلام بفضل ذلك قوة
دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب، ونقلهم من أمة جهالة إلى
أمة متحضرة، بل تدفق الإسلام من حدود شبه الجزيرة، واستولى على العالم
السوري بأسره من سواحل الأطلسي إلى شواطئ السهب الأوراسي[15].
وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما قال: «يَا
مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلالاً فَهَدَاكُمْ اللَّهُ
بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمْ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً
فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي؟، كُلَّمَا قَالَ شَيْئاً قَالُوا: اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمَنُّ» [16].
كيف حول النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -العرب من قبائل متناحرة إلى أمة محترمة؟
بهذا الإيمان الواسع العميق، والتعليم النبوي المتقن، وبهذه التربية
الحكيمة الدقيقة وبشخصيته الفذة، وبفضل هذا الكتاب السماوي المعجز الذي لا
تنقضي عجائبه، ولا تخلق جدته، بعث النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في
الإنسانية المحتضرة حياة جديدة.
عمد إلى الذخائر البشرية وهي أكداس من المواد الخام لا يعرف أحد غناءها،
ولا يعرف محلها وقد أضاعتها الجاهلية والكفر والإخلاد إلى الأرض فأوجد
فيها بإذن الله الإيمان والعقيدة، وبعث فيها الروح الجديدة، وأثار من
دفائنها وأشعل مواهبها، ثم وضع كل واحد في محله فكأنما خلق له، وكأنما كان
المكان شاغراً لم يزل ينتظره ويتطلع إليه، وكأنما كان جماداً؛ فتحول جسماً
نامياً وإنساناً متصرفاً، وكأنما كان ميتاً لا يتحرك؛ فعاد حياً يملي على
العالم إرادته، وكأنما كان أعمى لا يبصر الطريق فأصبح قائداً بصيراً يقود
الأمم.
عمد إلى الأمة العربية الضائعة وإلى أناس من غيرها فما لبث العالم أن رأى
منهم نوابغ كانوا من عجائب الدهر وسوانح التاريخ، فأصبح عمر الذي كان يرعى
الإبل لأبيه الخطاب، وينهره وكان من أوساط قريش جلادة وصرامة، ولا يتبوأ
منها المكانة العليا، ولا يحسب له أقرانه حساباً كبيراً - إذا به يفاجئ
العالم بعبقريته وعصاميته، ويدحر كسرى وقيصر عن عروشهما، ويؤسس دولة
إسلامية، تجمع بين ممتلكاتهما، وتفوقهما في الإدارة وحسن النظام، فضلاً عن
الورع والتقوى والعدل، الذي لا يزال فيه المثل السائر [17].
للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -الفضل الأكبر في رقي العالم كله:
ويبين المستر سنكس أن لمحمد- صلى الله عليه وسلم - الفضل الأكبر ليس فقط في رقي العرب بل في رقي العالم كله حتى اليوم، فيقول سنكس:
"ظهر محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة، وكانت
وظيفته ترقية عقول البشر، بإشرابها الأصول الأولية للأخلاق الفاضلة،
وبإرجاعها إلى الاعتقاد بإله واحد، وبحياة بعد هذه الحياة"... إلى أن قال:
"إن الفكرة الدينية الإسلامية، أحدثت رقياً كبيراً جداً في العالم، وخلّصت
العقل الإنساني من قيوده الثقيلة التي كانت تأسره حول الهياكل بين يدي
الكهان، ولقد توصل محمد ـ بمحوه كل صورة في المعابد وإبطاله كل تمثيل لذات
الخالق المطلق ـ إلى تخليص الفكر الإنساني من عقيدة التجسيد الغليظة" [18].
وهكذا، ارتقى العرب ـ وغير العرب ـ ارتقاءً حضارياً ضخماً من عصور
الجاهلية والظلام إلى عصور التحضر، بفضل دعوة النبي محمد- صلى الله عليه
وسلم -.
_________________________________________________
[1] إيڤلين كوبلد: البحث عن الله، ص51، 66، 67.
[2][1] إيڤلين كوبلد: البحث عن الله، ص51، 66، 67.
[3]
مفكر وباحث ألماني، عكف على الدراسات الشرقية والعربية في جامعة هايدلبرج،
ووقف حياته لدراسة الإسلام، وصنف عدداً كبيراً من الكتب والأبحاث، منها
ترجمته للقرآن الكريم، التي أصدرها في عامي 1964 و1965، وله كتاب عن النبي
محمد، صلى الله عليه وسلم.
[4] رودي بارت: الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، ص 20.
[5] رودي بارت: تاريخ الحضارات العام، 3 / 112.
[6] آرلونوف: النبي محمد، مجلة الثقافة الروسية، ج 7، عدد 9.
[7] هربرت وايل: المعلم الأكبر، ص 17.
[8] هنري سيروي: فلسفة الفكر الإسلامي، ص 8.
[9] جورج دي تولدز: الحياة، ص 6.
[10]
سليل أسرة مسلمة منذ القدم، أصبح نصرانياً في فترة مبكرة من حياته، تحت
تأثير إحدى المدارس التبشيرية المسيحية، وقضى ردحاً من حياته في كنيسة
إنكلترا؛ حيث عمل قسيساً منذ عام 1939 وحتى عام 1963، ثم عاد إلى دين
الإسلام.
[11] رجال ونساء أسلموا، 4 / 28 – 29.
[12] ايفلين كوبرلد: الأخلاق ص 66.
[13] مجلة الفتح القاهرية، عام 1930م.
[14]
المؤرخ البريطاني، الذي انصبت معظم دراساته على تاريخ الحضارات، وكان
أبرزها مؤلفه الشهير (دراسة للتاريخ) الذي شرع يعمل فيه منذ عام 1921
وانتهى منه عام 1961، وهو يتكون من اثني عشر جزءاً عرض فيها توينبي رؤيته
الحضارية للتاريخ.
[15] سومر ڤيل و آرنولد توينبي: مختصر دراسة للتاريخ 10 / 381.
[16] صحيح البخاري،ج 13 / ص 224.
[17] انظر: أبي الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص 155 وما بعدها.
[18] آن بيزينت: حياة وتعاليم محمد، ص5.
وليد أحمد
????- زائر
رد: دور النبي محمد – صلى الله عليه وسلم - في تحضر العرب
تسلمي هجر الحبايب علي موضوعك الرائع
وجزاكي الله كل خير
وجعله في ميزان حسناتك
وناطرين جديدك
تقبلي مروري
وجزاكي الله كل خير
وجعله في ميزان حسناتك
وناطرين جديدك
تقبلي مروري
ابو القيس- عضو ذهبي
-
عدد الرسائل : 346
العمر : 37
الدوله : فلسطين
النشاط :
اخر مواضيعي : <table cellpadding="$stylevar[cellpadding]" cellspacing="$stylevar[cellspacing]" border="0" class="tborder" width="95%"> <td class="thead"> <a style="float:$stylevar[right]" href="#top" onclick="return toggle_collapse('postbit2_$post[postid]')"><img id="collapseimg_postbit2_$post[postid]" src="$stylevar[imgdir_button]/sortasc{$collapseimg_postid2}.gif" alt="" border="0" /></a><b><font color="#E5B769"> آخـر مواضيعي </font></b></td> </tr> <tbody id="collapseobj_postbit1_344900" style=""> <tr> <td class="alt1"> <div class="alt2Active" style="padding:6px; border:1px inset; overflow:auto"> <div id="postmenu_344900"> <script type="text/javascript"> vbmenu_register("postmenu_344900", true); </script> <br> <font color="#FF0000"> <marquee onmouseover="this.stop()" onmouseout="this.start()" direction="up" scrolldelay="2" scrollamount="1" style="text-align: center; font-family: Tahoma; font-size: 10px" height="78">$favo<br></marquee></font></div> </div> </td> </tr> </table>
تاريخ التسجيل : 25/09/2008
رد: دور النبي محمد – صلى الله عليه وسلم - في تحضر العرب
يسلمووووووو كتير هجر الحبايب على المعلومات المهمة
تحيااااااتي ياعسل
تحيااااااتي ياعسل
رد: دور النبي محمد – صلى الله عليه وسلم - في تحضر العرب
مشكووووووورة كتيسر هجر الحبايب علي المعلومات
وبارك الله فيكي
تحيااااااااااااتي
وبارك الله فيكي
تحيااااااااااااتي
bahaa- الاداره العامه
-
عدد الرسائل : 965
العمر : 37
الدوله : فلسطين
العمل : طالب جامعي
الاوسمه :
النشاط :
اخر مواضيعي : <table cellpadding="$stylevar[cellpadding]" cellspacing="$stylevar[cellspacing]" border="0" class="tborder" width="95%"> <td class="thead"> <a style="float:$stylevar[right]" href="#top" onclick="return toggle_collapse('postbit2_$post[postid]')"><img id="collapseimg_postbit2_$post[postid]" src="$stylevar[imgdir_button]/sortasc{$collapseimg_postid2}.gif" alt="" border="0" /></a><b><font color="#E5B769"> آخـر مواضيعي </font></b></td> </tr> <tbody id="collapseobj_postbit1_344900" style=""> <tr> <td class="alt1"> <div class="alt2Active" style="padding:6px; border:1px inset; overflow:auto"> <div id="postmenu_344900"> <script type="text/javascript"> vbmenu_register("postmenu_344900", true); </script> <br> <font color="#FF0000"> <marquee onmouseover="this.stop()" onmouseout="this.start()" direction="up" scrolldelay="2" scrollamount="1" style="text-align: center; font-family: Tahoma; font-size: 10px" height="78">$favo<br></marquee></font></div> </div> </td> </tr> </table>
تاريخ التسجيل : 24/09/2008
مواضيع مماثلة
» الي يدخل يصلي على النبي * صلى الله عليه وسلم *
» من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم نطق الجماد والحيوان بين يديه
» البطاقة العائلية لسيدنا (محمد صلى الله عليه وسلم ) مهم
» جهود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في تحرير العبيد
» الدفاع عن النبى صلى الله عليه وسلم
» من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم نطق الجماد والحيوان بين يديه
» البطاقة العائلية لسيدنا (محمد صلى الله عليه وسلم ) مهم
» جهود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في تحرير العبيد
» الدفاع عن النبى صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء يناير 09, 2013 1:31 pm من طرف ليتو
» مجموعة دبكات فلسطينية ومنوعة من اليوتوب
الجمعة ديسمبر 03, 2010 4:35 am من طرف عازفة الأوتار الحزينة
» صور ياسمين عبد العزيز.....
الجمعة ديسمبر 03, 2010 4:32 am من طرف عازفة الأوتار الحزينة
» هبت رياح المحبه فأتت بي الي هنا!!
الجمعة ديسمبر 03, 2010 4:27 am من طرف عازفة الأوتار الحزينة
» انا جديد معاكم عايز الدنيا تتهد ترحيب
الأربعاء يوليو 07, 2010 2:28 am من طرف AHMED TITO
» دبكات 2010 هبه+مياده+ملاك+اكابر+سوسن+سعاد 2010
الثلاثاء فبراير 16, 2010 2:26 am من طرف انسان حر
» سجل حضورك اليومى بخمس جمل ...أرجو التثبيت..
الإثنين فبراير 15, 2010 11:32 am من طرف ملاك الروح
» ارسل 30 رسالة مجانية مجربة مية في المية
الخميس يوليو 09, 2009 6:43 am من طرف fondking
» اليساااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
السبت يونيو 20, 2009 5:19 pm من طرف bahaa